مجلة تربوية إلكترونية للنقاش والحوار في مواضيع تربوية اجتماعثية، ثقافية، صحفية

الثلاثاء، 19 فبراير 2008

بناء شخصية الطفل في مرحلة التعليم الأولي


تعتبر مرحلة التعليم الأولي، أو مرحلة التربية ما قبل مدرسية، في حياة الطفل مرحلة أساسية، مهمة جدا، حيث يتم خلالها بناء شخصيته المستقبلية في الجوانب العقلية والحسحركية والانفعالية، من أجل إعداده للولوج إلى المدرسة الابتدائية। فهذه المرحلة من حياة الطفل، تتميز بحساسية بالغة، ففيها تبدأ الملامح الأولى لشخصيته بالتشكل ، مما يستدعي من أسرته ومحيطه، وكذلك المربيات والمربين في رياض الأطفال، أن يبذلوا جهدا في فهم خصوصيات هذه المرحلة من عمر الأطفال ، وأن يكون هناك حذر شديد في التعامل مع أطفال هذه المرحلة لتجنب كل ما من شأنه أن يؤثر سلبا في بناء شخصية الطفل وتشكل ملامحها، ويتطلب الأمر كذلك نوعا كبيرا من التعاون بين أسرة الطفل والمربيات بمؤسسات التعليم الأولي من أجل فهم هذا الطفل، والوعي بحاجياته الأساسية من الرعاية والحنان واللعب واكتشاف ما يمكن أن يعاني منه بعض الأطفال من مشاكل نفسية تعيق اندماجهم في محيطهم الأسري أو المدرسي أو الاجتماعي بشكل عام. فالنمو السليم والمتوازن لشخصية الأطفال يتطلب عناية كبيرة لتجنب صعوبات الاندماج والمشاكل النفسية التي يمكن أن تؤثر على صحتهم ومستقبلهم الدراسي، إذا لم يتم اكتشافها وتداركها منذ البداية وعلاجها قبل أن تتفاقم. فما الخصائص النفسية التي تميز هذه المرحلة من عمر الأطفال؟ وكيف ينبغي للأمهات والآباء والمربيات والمربين برياض الأطفال أن يتعاملوا مع هذه الشريحة في هذه السن الحرجة؟ وما نوع التعاون الذي ينبغي أن يقوم بين أسرة الطفل ومؤسسات رياض الأطفال من أجل إعداد هؤلاء لولوج المدرسة الابتدائية دون مشاكل؟ وهل تمتلك مؤسسات التعليم الأولي ببلادنا المؤهلات البشرية، والتجهيزات المادية والديداكتيكية والتربوية ما يمكن أن يساعد على بناء شخصية الطفل وإعداده لتجاوز الصعوبات التي قد تعرقل اندماجه في محيطه المدرسي الجديد حينما يلج المدرسة الابتدائية؟

أعتقد أن طرح مثل هذه الأسئلة ومحاولة الإجابة عنها يعتبر مدخلا أساسيا لمعرفة ما ينبغي القيام به ، سواء من طرف الأسرة أو مؤسسات التعليم الأولي وذلك سعيا لبناء شخصية الطفل بشكل سليم تربويا وتنشئته تنشئة اجتماعية تراعي ضرورات انسجامه مع قيم مجتمعه وأسس هويته من جهة، كما تراعي تنمية وحاجاته النفسية والوجدانية العاطفية من جهة أخرى.
على أن القائمين على تربية الأطفال في هذه المرحلة ما قبل مدرسية يحتاجون في عملهمإلى الاستناد إلى نتائج علم النفس التربوي والبيداغوجيا وعلم الاجتماع، وكل ما يرتبط بمراحل النمو لدى الأطفال من خصائص ومميزات. فكم من أطفال واجهتهم صعوبات الاندماج في محيطهم المدرسي، فقط لأنهم كانوا ضحايا التربية الخاطئة في هذه المرحلة إما من أسرهم أو من مربيهم، كم خلقنا من عقد نفسية لدى أطفالنا بسبب جهلنا وسوء معاملتنا لهم في مرحلة نموهم الأساسية، فصاروا انطوائيين، منعزلين ، وغي مندمجين في محيطهم، ولازمتهم هذه الصفة طيلة حياتهم، كم من متعثرين في دراستهم أو جانحين منحرفين، كان بالإمكان أن لا يكونوا كذلك لو عرفنا كيف نتعامل معهم في هذه المرحلة من التعليم ما قبل المدرسي التي تكتسي حساسية وصعوبة كبيرة جدا.
ينبغي أن نكون ، كأسر ومربين ، حذرين وأن نتجنب كل ما يمكن أن يسئ إلى تربية أطفالنا في هذه السن الحرجة، لأن ما انطبع في شخصيتهم ، في هذه المرحلة، سيكون له انعكاس كبير على تشكل شخصيتهم المستقبلية ورسم ملامح نجاحهم أو فشلهم الدراسي، ومدى اندماجهم في محيطهم ، وهذا الأمر يطرح بإلحاح ضرورة التكوين الجيد للمربيات برياض الأطفال من أجل أن يتمكن من معرفة خصوصيات الأطفال في هذه المرحلة وكيف ينبغي التعامل معهم.
يبقى أن نتساءل هل فعلا هناك تعاون وثيق بين أسر الأطفال والمربيات والمربين برياض الأطفال في واقعنا الاجتماعي؟ وهل كل المربيات مؤهلات بيداغوجيا وتربويا لممارسة هذه المهنة البالغة الصعوبة؟ وهل تتوفر في رياض الأطفال كل التجهيزات التربوية والمادية الضرورية لهذه المهمة التربوية "الخطيرة"؟

ميلود بكريم