حوارات تربوية

مجلة تربوية إلكترونية للنقاش والحوار في مواضيع تربوية اجتماعثية، ثقافية، صحفية

السبت، 22 نوفمبر 2008

المؤسسات الخاصة للتكوين في المهن السياحية


المؤسسات الخاصة للتكوين في المهن السياحية
تساهم في تأهيل القطاع السياحي:

بشهد القطاع السياحي في المغرب ، في الآونة الأخيرة تطور ا ملحوظا،يمكن تلمس مؤشراته في عدد السياح الوافدين على بلادنا وارتفاع مدا خيل السياحة إضافة إلى انتعاش الخدمات السياحية وإقبال المستثمرين ، من جنسيات مختلفة، للاستثمار في هذا القطاع، مدعمين بالجهود التي تبذلها الدولة في هذا المجال، لبلوغ رهان 10 ملايين سائح، في أفق 2010 ، ولتلبية الطلب على الخدمات السياحية المتزايدة يحتاج الأمر مزيدا من التأهيل للأطر واليد العاملة المتخصصة في الخدمات الفندقية والسياحية. فكيف يتم مد سوق الشغل ، في هذا القطاع بحاجياته البشرية؟ وما آفاق التشغيل المفتوحة أمام الخريجين من مؤسسات التكوين المهني الفندقي والسياحي الخاصة؟
ƒ مؤسسات التكوين المهني الفندقي والسياحي الخاصة تدعم المهن السياحية بالأطر واليد العاملة المتخصصة لكن عرض فرص الشغل مازال يفوق الطلب:
يشهد سوق الشغل المرتبط بالخدمات الفندقية والسياحية بالمغرب،عرضا لفرص الشغل مازال يفوق الطلب ، فالعديد من مهنيي هذا القطاع يسعون، في إطار المنافسة التي يشهدها القطاع، إلى تطوير الخدمات المقدمة للزبناء وتجويدها للبحث عن التميز من أجل إرضاء زبنائهم ضمانا لكسب ثقتهم والمحافظة على سمعة المقاولة، وفي هذا الإطار فهم يعرضون فرصا للشغل بالنسبة للشباب المؤهل ، وخاصة من خريجي مدارس التكوين الفندقي والسياحي، فهم في حاجة إلى تقننيين في مجال الطبخ والمخبزة والحلويات وأعوان المطعمة وتقنيين في مهن الاستقبال والتنشيط وتسيير الفنادق والمطاعم الكبرى وتقنيين متخصصين في تسيير وإدارة وكالات الأسفار وأطر متخصصة في المهن السياحية الأخرى.
ولقد تنبهت وزارتي السياحة والتشغيل والتكوين المهني للخصاص في اليد العاملة والأطر المتخصصة في هذا المجال، مما دعاهما إلى فتح مؤسسات للتكوين المهني في هذا النوع من التكوينات عبر التراب الوطني، وكذلك تشجيع الخواص للاستثمار في التكوين المهني الفندقي والسياحي. غير أن ما تكونه هذه المؤسسات من المتدربين لحد الآن لا يستطيع تغطية العرض في هذا المجال، خصوصا وأن العديد من المتخرجين يجدون فرص الشغل ما زالت متاحة لهم في الخارج
( بلدان الاتحاد الأوربي والخليج العربي وغيرها) مما يجعلهم يفضلون الهجرة على العمل داخل الوطن.
ƒالمدرسة المحمدية الخاصة للفندقة والسياحة تساهم في التكوين المهني الفندقي والسياحي:
تعتبر المدرسة المحمدية الخاصة للفندقة والسياحة ، من بين مؤسسات التكوين المهني الفندقي والسياحي التي فتحت أبوابها بمدينة المحمدية في الموسم الدراسي الحالي 2008/2009 وتسعى إلى تكوين تقنيين متخصصين في المخبزة والحلويات وتقنيين في الطبخ وأعوان المطعمة ، كما تسعى إلى فتح شعب وتخصصات أخرى لمهن الفندقة والسياحة مساهمة بذلك في إنقاذ ثلة من الشباب المنقطع عن الدراسة وتمكينه من تأهيل مهني يمكنه من الاندماج في سوق الشغل ، وتساهم بذلك في مد القطاع السياحي باليد العاملة والأطر المتخصصة.
يتلقى المتدربون داخل هذه المؤسسة تكوينا نظريا وتطبيقيا كما يقومون بزيارات دراسية للمؤسسات الفندقية والمطاعم وغيرها، ويتوجون دراستهم بتدريب ميداني في نهاية السنة الدراسية. أما الشعب الدراسية فهي عديدة: تقنيات الطبخ والمخبزة والحلويات- الوقاية من التسمم الغذائي- التسيير والمحاسبة – الإعلاميات- تقنيات التواصل والتنشيط ، اللغات( الفرنسية ، الإنجليزية، الإسبانية، العربية) الجغرافية السياحية- قانون الشغل...إلخ.
وختاما أعتقد أن تشجيع الاستثمار في التكوين المهني على وجه العموم، والتكوين المهني الفندقي والسياحي، خاصة من شأنه ، أولا أن ينقذ العديد من الشباب المنقطع عن الدراسة من الضياع والتشرد ويوفر له فرصا للاندماج في سوق الشغل، كما من شأنه ثانيا أن يمد سوق الشغل بحاجاتها من اليد العاملة والأطر المؤهلة.

ميلود بكريم

الأحد، 27 أبريل 2008

لماذا لم تستطع المدرسة المغربية أن تكون فاعلة ومؤثرة في محيطها؟

تميز الخطاب التربوي بالمغرب، منذ صدور الميثلق الوطني للتربية والتكوين، بل وحتى قبل ذلك، بإنتاج العديد من الأفكار والآراء والتصورات حول طبيعة الإصلاح ، الذي ينبغي أن يمس، أو مس بالفعل، المنظومة التربوية المغربية، بمختلف مكوناتها وأنساقها، وحاولت معظم الكتابات الصادرة في هذا الاتجاه، أن تنتج خطابات تساهم بها في أجرأة وتفعيل مقتضيات الميثاق، بعد أن تمت عملية التوافق حوله من طرف كل مكونات الشعب المغربي. ।
تزامنت هذ الخطابات التربوية مع انطلاق عملية التطبيثذق والأجرأة لمقتضيات الميثاق الوطني للتربية والتكوين، من خلال فتح أوراش همت الجوانب البيداغوجية والتربوية والقيمي، حيث تمت إعادة النظر في البرامج والمناهج والكتب المدرسية المرتبطة بها، كما تمت هيكلة بنيات الأكاديميات والنيابات، وانطلقت إجراءات بالمؤسسات التعليمية تروم بعث الروح في الحياة المدرسية، بتفعيل مجالس المؤسساتوإعطائها توجها ونفسا جديدين يروم النهوض بجودة التعليم والدفع بالمؤسسة التعليمية لالاانفتاح على محيطها، على الأقل على مستوى الخطاب।
وإذا كانت كل هذه الإجراءات تستهدف القطيعة مع مدرسة تقليدية في بنياتها وهياكلها ومناهجها، مدرسة قاصرة عن تحقيق تطلعات كل مكونات المجتمع المغربي، إلى تنمية اقتصادية واجتماعية فاعلة ، ترضي طموح المواطنين، وتضمن حقوقهم في العيش الكريم، في إطار مجتمع ديمقراطي حداثي متعدد ومتضامن، فإن بناء أسس المدرسة الحديثة ، الفاعلة والمؤثرة في محيطها، والمستجيبة لتطلعات المجتمع ، مازال في اعتقادي، مطلبا يحتاج إلى المزيد من الجهود والتضحيات، على مستويات وجبهات متعددة لتدليل العديد من الصعوبات والمعوقات والإكراهات التي تواجه تحقيق المشروع التربوي الوطني الحداثي، المواكب للتحولات المتسارعة في مختلف مناحي الحياة وطنيا ودوليا ، والمنسجم مع الأنظمة التربوية المتقدمة، وما يؤكد هذا الطرح هو ما تم الإعلان عنه مؤخرا من كون الميثاق الوطني للتربية والتكوين لم يحقق أهدافه ، وبالتالي فالمدرسة المغربية ما زالت بعيدة عن التأثير في محيطها وتحقيق الغايات الكبرى للنظام التربوي المغربي ، وهو الأمر الذي استوجب وضع المخطط الاستعجالي لإنقاذ الميثاق الوطني وبالتالي إنقاذ المدرسة المغرب।ية
فما الأسس والبنيات التي تتوفر عليها المدرسة المغربية حاليا، وإلى أي مدى يؤهلها واقعها الراهن لتتحول إلى مدرسة حديثة ، مؤثرة وفاعلة في محيطها؟ وما الموقومات التي يمكن للواقع الاجتماعي والاقتصادي أن يسعف بها من أجل مدرسة مغربية وطنية جديدة فاعلة ومؤثرة في محيطها؟
لاشك ان الإجابة على هذين السؤالين بحاجة إلى دراسة ميدانية تقوم على تشريح واقع النظام التربوي والاجتماعي والاقتصادي كما وكيفا، مما سيجعل الأفكار التي سأوردها في هذا المقا ل تبقى مجرد وصف للظاهرة من خلال احتكاكي الطويل بالفضاء المدرسي وبمكونات محيطها بحكم طبيعة اشتغالي في ميدان التربية لمدة تزيد عن 37سنة।
أ- طموح كبير على مستوى الخطاب يفتقر إلى بنية تستجيب لشروط وضوابط تربوية واجتماعية واقتصادية متسقة ومتفاعلة:
بالطبع لايمكن لأحد أن ينكر ما بذلته الدولة من جهود ، ولا ما رصدته من إمكانيات لتحديث هياكل النظام التربوي، غير أن النتائج المسجلة حتى الآن ، منخلال مقارنة المدخلات بالمخرجات، وملاحظة مدى التأثير الذي تحدثه المدرسة في محيطها مازال دون مستوى التطلعات।
كثيرا ما طرح المهتمون بالإصلاح التربوي تساؤلات تصب كلها في اتجاه البحث عن سبل إرساء مدرسة مغربية حديثة وفاعلة في محيطها، يكون نظامها التعليمي التعلمي متلائما ومنسجما مع حاجيات المجتمع والمحيط الاقتصادي، كما يطرح البعض أسئلة أخرى معاكسة لهذه المعادلة، حيث يتساءل عن الحظوظ وحجم الإمكانيات التي توفرها المقاولة للإسهام في إصلاح هياكل وبنيات المدرسة المغربية وتطوير مناهجها والارتقاء بمستوى تكوينها من خلال عقد شراكات مفيدة بين المدرسة تضمن تكوين واستيعاب منتوجها من الطاقات الشابة।
ويجسد الميثاق الوطني للتربية والتكوين هذا الطموح الكبيرلالاارتقاء بمستوى التكوين في المدرسة المغربية وجعلها فاعلة في محيطها। ففي معرض حديثه عن المبادئ الأساسية، في الشطر الخاص بالغايات الكبرى للنظام التربوي المغربي نقف على ما يلي" ... تسعى المدرسة المغربية الوطنية الجديدة إلى أن تكون مفتوحة على محيطها بفضل نهج تربوي قوامه استحضار المجتمع في قلب المدرسة ، والخروج إليه منها بكل ما يعود بالنفع على الوطن ، مما يتطلب نسج علاقات جديدة بين المدرسة وفضائها البيئي والمجتمعي والثقافي والاقتصادي"( المادة9 ص 11من الميثاق)

ب- هل بالفعل تمتلك المدرسة المغربية ، حتى الآن، مقومات الانفتاح المطلوب على محيطها يمكنها من استحضار المجتمع في قلب المدرسة؟
بالرجوع إلى مضامين المناهج والبرامج الدراسية الجديدة، والكتب المدرسية التي تترجمها، نقف على أنشطة تستحضر ضرورة تفاعل المتعلم مع محيطه ومواكبة مختلف التحولات التي يشهدها، لكن على مستوى الممارسة الميدانية، لا نكاد نجد إلا بالكاد، ما يترجم هذا التوجه الحداثي في المجال التربوي إلى واقع ملموس، ذلك أن واقعنا التربوي ما يزال مكبلا بالعديد من المعوقات والإرغامات التي تحد من فعاليته، ويمكن أن نلخصها فيما يلي:
1- إيقاع الزمن المدرسي وكيفية تنظيم استعماله واستثماره في حاجة إلى تغيير وتدبير جديد:
فكيفية تدبير الزمن الدرسي واستعماله بكثافة لا يتيح مجالا زمنيا كافيا لتنظيم خرجات وزيارات ميدانية تطبيقية في مختلف مؤسسات المحيط الاقتصادي والاجتماعي والإداري والثقافي من أجل الاطلاع على أنشطة ومكونات هذه المؤسسات واكتساب مهارات تطبيقية ميدانية للوحدات المدروسة في الفضاء المدرسي، لذلك ينبغي التفكير في تقليص حصص البرنامج الدراسي ووضع نظام يمكن المتعلمين من ألانفتاح على محيطهم والتمرس بواقعه ومشاكله واكتساب الخبرة منه
2- ظاهرة الاكتظاظ تحد من المردودية التعليمية:
إن أغلب المؤسسات التعليمية المغربية لا تزال تعاني من ظاهرة الاكتظاظ والتي كانت من إفرازات التقويم الهيكلي الذي نهجه المغرب في بداية الثمانينات ، حيث شهدت ميزانية التعليم تقلصا كبيرا جمد عملية بناء مؤسسات جديدة إلا في حالات نادرة، وقد كان ، وما يزال، لهذا الاكتظاظ تأثير كبير على مردودية العملية التعليمية وبالتالي لا يمكن تحقيق مبدأ انفتاح المؤسسات التعليمية على محيطها في ظل هذا الإكراه.
- ضعف جسور التواصل بين المدرسة ومحيطها لا يجعلها مؤثرة فيه ولا متأثرة به:
إن الفاعلين في المحيط الاقتصادي لم يقوموا ، حتى الآن، بإبداء ما يكفي من الرغبة لاستقبال الزوار من التلاميذ والطلبة لعدم حصول القناعة الكافية لدى أغلب هؤلاء الفاعلين بأهمية عقد شراكات تربوية مع المؤسسات التعليمية يستفيد منها الطرفان ، ويكفي للدلالة على ما نقول، أن نذكر بالصعوبات الكبيرة التي يجدها المتخرجون لولج سوق الشغل، بل إن الباحثين من الطلبة على التدريب في المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية لا تتاح لهم هذه الفرصة إلا بصعوبة كبيرة ، أو بعد تدخل جهات نافذة، أو وساطات أخرى। وحتى بالنسبة للمناهج والبرامج الجديدة لم تجح في توفير الحاجيات من الأطر النوعية التي يتطلبه السوق الحالي ।
4ابتعاد جل جمعيات وفيدراليات جمعيات الآباء عن تفعيل أدوارها التربوية:
كان من المفروض أن تقوم فيدراليات وجمعيات الآباء بالمساهمة في توفير مختلف شروط نجاح العملية التربوية في المؤسسات التعليمية ومن بين هذه الشروط إسهام هذه الجمعيات في تسهيل عقد شراكات تربوية مع مع مؤسسات من المحيط لتسهيل مامورية المدرسين والإداريين والتلاميذ، لكن جل هذه الجمعيات لا تقوم بأدوارها التربوية بل لا يعي أغلبها أهمية هذه الأدوار مما يجعلها تنزلق عن أهدافها الحقيقية للقيام بأنشطة ترقيعية لا تسمن ولا تغني من جوع، كبعض الترميمات البسيطة أو بعض الأنشطة الترفيهية أو ما شابه ذلك ، مع أن الإصلاح التربوي الجديد يفرد لها مكانة مهمة كمتدخل فاعل حقيقي للإسهام في صنع القرار التربوي الذي يفعل أدوار المؤسسة ويحقق أهدافها।
-5مفارقة كبيرة بين المدرسة ومحيطها:
كيف يعقل أن نطالب المدرسة بالانفتاح على محيطها في ظل مفارقة صارخة، يجسدها البون الشاسع بين التحولات المتسارعة في المجال التكنولوجيعامة ، وفي مجال تكنولوجيا الإعلام والتواصل خاصة، والتي تتطور كل يوم بشكل مدهش ويلامسها المتعلم ويعيشها في بيئته، وبين ما يلاحظه في مؤسسته من تخلف عن مواكبة هذه التحولات؟
إن معظم المؤسسات التعليمية المغربية ما زالت توظفوسائل وأدوات ودعامات ديداكتيكية عتيقة كالسبورة والطباشير وبعض الأدوات التي لا ترقى إلى طموح المتعلم الحالي ولا تستفز رغبته للانخراط في حوار تربوي هادف لأن ذلك يتطلب حضور وتوظيف تكنولوجيا تعليمية حديثة ومتطورة ونهج طرق تدريس نشيطة تتمركز حول المتعلم وتخاطب ذكاءه وتلبي ميوله وحاجياته।
6- ضرورة دمقرطة العلاقات بين أطراف المنظومة التربوية في الفضاء المدرسي:
على الرغم من الخطاب الحقوقي - التربوي الذي يقوم بالدعوة إلى جعل الفضاء المدرسي فضاء لتنمية وترسيخ السلوك المدني وبالتالي جعل المدرسة قاطرة لجر المجتمع نحو القطيعة مع السلوكات اللا مدنية ، فإننا نجد أن الفضاء المدرسي، في معظم المؤسسات التعليمية لا يزال مسرحا لعلاقات لا تستجيب لضرورة ترسيخ السلوك المدني، فمثلا أغلب الممارسات الفصلية يسودها سلوك غير ديمقراطي يكون فيه الأستاذ مستبدا بالقرار ولا يتيح لتلاميذه فرصة اكتساب مهارات التعلم الذاتي من خلال حوار أفقي ينظمه التلاميذ فيما بينهم، كما لا يزال التوتر سيد الموقف في العلاقات بين أطراف المنظومة التربوية في الفضاء المدرسي، حيث تسود ظواهر منافية للسلوك المدني كالعنف والغش وتخريب ممتلكات المؤسسة...
وحتى لا نكون عدميين، نقول إن بعض المؤسسات تم تزويدها ببعض الأجهزة والأدوات التكنولوجية الحديثة كالحواسب وأجهزة التلفزة وأجهزة عكس الصور( المسلاط العاكس) كما تم إحدات أندية للإنترنت بالمؤسسات، غير أن استثمار كل ذلك لصالح التلاميذ، وبالمواصفات التربوية المطلوبة لا يلبي طموح الخطاب التربوي.
وبعد، إذا كانت هذه بعض الإشارات المقتضبة عن واقع المدرسة المغربية ، والذي لا يرقى إلى ترجمة الخطاب التربوي الوطني إلى الإصلاح الحقيقي المنشود فما هي بعض الأفكار التي يمكن اقتراحها والإسهام بها في تصور مشروع المدرسة المغربية الجديدة الفاعلة والمؤثرة في محيطها بشكل إيجابي؟
أتمنى من القراء الكرام أن يساهموا في إغناء هذا الموضوع بتعليقاتهم جلبا للمنفعة العامة، ولكل من ساهم في هذا الإغناء جزيل الشكر والامتنان.
ميلود بكريم: مفتش تربوي سابقا وباحث في الشؤون التربوية

الثلاثاء، 25 مارس 2008

الأربعاء، 19 مارس 2008

التخليق والإصلاح في مجال التربية والتكوين ، أية علاقة؟

عرف مجال التربية والتكوين بالمغرب، منذ الاستقلال إلى صدور الميثاق الوطني للتربية والتكوين، تجربة مجموعة من المشاريع الإصلاحية ، انصبت على مختلف مكونات المنهاج وتوخت تحقيق غايات وطنية ، تستهدف إعداد أجيال قادرة على تحمل المسؤولية ، في خضم التحولات العالمية المتسارعة، متشبعة يقيم الهوية الوطنية والإسلامية والقومية دون انغلاق على الذات.
وانصبت المشاريع الإصلاحية التربوية على كل مكونات المنهاج، انطلاقا من تقييم النتائج المحققة، واستجابة، كذلك، للأصوات المنادية، من حين لآخر، بضرورة إصلاح المجال التربوي، ثم أيضا رغبة في تكييف النظام التربوي مع التحولات والمستجدات التربوية والاجتماعية الوطنية والدولية।
وإذا كان من الصعب تجاهل بعض الأهداف التي تم تسجيلها على هذا المستوى، والمتعلقة اساسا بتكوين الأطر بالعدد
الكافي، في مختلف المجالات تقريبا، على الأقل على المستوى الكمي، فإنه من الصعب كذلك أن نقول إن النظام التربوي المغربي استطاع ، حتى الآن، أن يضع سيسة تعليمية، تنبثق من واقع المجتمع المغربي، وتراعي ضرورة التلاؤم والانسجام بين نوعية التكوين ومتطلبات الاقتصاد والمجتمع المغربي।ا
هذا جانب، أما الجانب الآخر، والذي يعتبر المحور الأساسي في هذا الموضوع، والذي لا يمكن إغفال تأثيره على المردودية التعليمية، وهو ما يتعلق بتخليق الممارسة في هذا القطاع الاجتماعي الحيوي،وتنقيته من بعض السلوكات والممارسات الدخيلة عليه ،مؤخراوالتي لم يكن يعرفها من قبل، إذ ظل مجالا يؤسس لثيم تربوية وأخلاقية وطنية نبيلة، هدفها تلقين أجيال الغذ التراث الوطني، وتسليحها يثقافة العصر وعلومه।فقد انعكست الأزمة الاجتماعية والاقتصاديةعلى هذا القطاع بدوره، فأخذت تتسرب غليه سلوكات، وإن كانت ما زالت محدودة بين أفراد قلائل، لكن إذا لم تحاصر فمن الممكن أن تتفاقم، لا قدر الله وتؤثر سلبا على مردودية المتعلمين। ويمكن أن أشير إلى بعض هذه المظاهر:
* ظاهرة الغش:
حيتتكاد هذه الظاهرة أن تصبح الآن ، في مؤسساتنا سلوكا عاديا، بسبب انتشارها الواسع بين جمهور المتعلمين ، في كل المستويات التعليمية، مما يستوجب تفعيل صرامة القانونلزجر المخالفين، وحماية رجال التعليم من عواقب ما يقوم به في حقهم من يمارس هذه الظاهرة الغير التربوية والغير أخلاقية ، من التلاميذ ، كما أن من بين أسبابها كذلك طبيعة البرامج الدراسية الحالية ونظام التقويم التربوي السائد।
* الساعات الإضافية الخصوصية:
وأقصد بها أساسا، تلك التي يقوم بها بعض المدرسين لصالح تلاميذ يدرسونهم في التعليم العمومي، حيث تكاثرت هذه الظاهرة مؤخرا، في بعض المواد العلمية بالثانوي، بل حتى بالتعليم الأساسي، فالجانب اللا تربوي في هذه العملية ينتج عنه انتفاء النزاهة والموضوعية والمصداقية اللازمة في تقويم مكتسبات التلاميذ، حيث لابد أن يميل الأستاذ تجاه التلاميذذذ الذين ينخرطون معه في الدروس الخصوصية ، على حساب مبدأ تكافؤ الفرص بين الجميع، الذي يجب أن يسود في الفصل।ثم إن ذلك السلوك أيضا يولد نوعا من عدم الثقة في نزاهة الأستاذ، ونوعا من النفور من دروسه لدى باقي التلاميذ।
* الغياب المتكاثر والشواهد الطبية المفتعلة:
إذا كان رجال ونساء التعليم، يوصفون بجديتهم وتفانيهم في العمل، في جو من نكران الذات والغير الوطنية ، والرغبة في تحقيق تقدم بلادهم وتطورها، فإنه ، مع الأسف الشديد، أصبحنا في الآونة الأخيرة ، نلاحظظهور بعض من يغرد خارج هدا السرب، فأصبحت ترى، وخاصة في القرى والبوادي، ظاهرة الغياب المتكرر لرجال ونساء التعليم، لأسباب واهية، كما تكاثرت كذلك، في كل المؤسسات التعليمية ، ظاهرة الشواهد الطبية المفتعلة ، والتي يلجأ إليها البعض ، دون أن يكون في حاجة إليها، مما يؤثر سلبا على المردودية التعليمية لأبنائنا।
هذه ، إذن، نماذج فقط من بعض المظاهر اللا تربوية ، في واقعنا التعليمي ، أوردناها، رغم قلتها ومحدوديتها، بالمقارنة بما يبذله رجال ونساء التعليم الشرفاء ببلادنا من جهود وتفان لأداء رسالتهم التربوية النبيلة، نتمنى أن يتم اجتثات هذه المظاهر الفاسدة من مؤسساتنا التعليمية، من أجل المحافظة لهذا القطاع الاجتماعي الحيوي على إرثه الأخلاقي، وحسه الوطني ، ونبله المعهود।
ميلود بكريم: باحث في مجال التربية

الثلاثاء، 19 فبراير 2008

بناء شخصية الطفل في مرحلة التعليم الأولي


تعتبر مرحلة التعليم الأولي، أو مرحلة التربية ما قبل مدرسية، في حياة الطفل مرحلة أساسية، مهمة جدا، حيث يتم خلالها بناء شخصيته المستقبلية في الجوانب العقلية والحسحركية والانفعالية، من أجل إعداده للولوج إلى المدرسة الابتدائية। فهذه المرحلة من حياة الطفل، تتميز بحساسية بالغة، ففيها تبدأ الملامح الأولى لشخصيته بالتشكل ، مما يستدعي من أسرته ومحيطه، وكذلك المربيات والمربين في رياض الأطفال، أن يبذلوا جهدا في فهم خصوصيات هذه المرحلة من عمر الأطفال ، وأن يكون هناك حذر شديد في التعامل مع أطفال هذه المرحلة لتجنب كل ما من شأنه أن يؤثر سلبا في بناء شخصية الطفل وتشكل ملامحها، ويتطلب الأمر كذلك نوعا كبيرا من التعاون بين أسرة الطفل والمربيات بمؤسسات التعليم الأولي من أجل فهم هذا الطفل، والوعي بحاجياته الأساسية من الرعاية والحنان واللعب واكتشاف ما يمكن أن يعاني منه بعض الأطفال من مشاكل نفسية تعيق اندماجهم في محيطهم الأسري أو المدرسي أو الاجتماعي بشكل عام. فالنمو السليم والمتوازن لشخصية الأطفال يتطلب عناية كبيرة لتجنب صعوبات الاندماج والمشاكل النفسية التي يمكن أن تؤثر على صحتهم ومستقبلهم الدراسي، إذا لم يتم اكتشافها وتداركها منذ البداية وعلاجها قبل أن تتفاقم. فما الخصائص النفسية التي تميز هذه المرحلة من عمر الأطفال؟ وكيف ينبغي للأمهات والآباء والمربيات والمربين برياض الأطفال أن يتعاملوا مع هذه الشريحة في هذه السن الحرجة؟ وما نوع التعاون الذي ينبغي أن يقوم بين أسرة الطفل ومؤسسات رياض الأطفال من أجل إعداد هؤلاء لولوج المدرسة الابتدائية دون مشاكل؟ وهل تمتلك مؤسسات التعليم الأولي ببلادنا المؤهلات البشرية، والتجهيزات المادية والديداكتيكية والتربوية ما يمكن أن يساعد على بناء شخصية الطفل وإعداده لتجاوز الصعوبات التي قد تعرقل اندماجه في محيطه المدرسي الجديد حينما يلج المدرسة الابتدائية؟

أعتقد أن طرح مثل هذه الأسئلة ومحاولة الإجابة عنها يعتبر مدخلا أساسيا لمعرفة ما ينبغي القيام به ، سواء من طرف الأسرة أو مؤسسات التعليم الأولي وذلك سعيا لبناء شخصية الطفل بشكل سليم تربويا وتنشئته تنشئة اجتماعية تراعي ضرورات انسجامه مع قيم مجتمعه وأسس هويته من جهة، كما تراعي تنمية وحاجاته النفسية والوجدانية العاطفية من جهة أخرى.
على أن القائمين على تربية الأطفال في هذه المرحلة ما قبل مدرسية يحتاجون في عملهمإلى الاستناد إلى نتائج علم النفس التربوي والبيداغوجيا وعلم الاجتماع، وكل ما يرتبط بمراحل النمو لدى الأطفال من خصائص ومميزات. فكم من أطفال واجهتهم صعوبات الاندماج في محيطهم المدرسي، فقط لأنهم كانوا ضحايا التربية الخاطئة في هذه المرحلة إما من أسرهم أو من مربيهم، كم خلقنا من عقد نفسية لدى أطفالنا بسبب جهلنا وسوء معاملتنا لهم في مرحلة نموهم الأساسية، فصاروا انطوائيين، منعزلين ، وغي مندمجين في محيطهم، ولازمتهم هذه الصفة طيلة حياتهم، كم من متعثرين في دراستهم أو جانحين منحرفين، كان بالإمكان أن لا يكونوا كذلك لو عرفنا كيف نتعامل معهم في هذه المرحلة من التعليم ما قبل المدرسي التي تكتسي حساسية وصعوبة كبيرة جدا.
ينبغي أن نكون ، كأسر ومربين ، حذرين وأن نتجنب كل ما يمكن أن يسئ إلى تربية أطفالنا في هذه السن الحرجة، لأن ما انطبع في شخصيتهم ، في هذه المرحلة، سيكون له انعكاس كبير على تشكل شخصيتهم المستقبلية ورسم ملامح نجاحهم أو فشلهم الدراسي، ومدى اندماجهم في محيطهم ، وهذا الأمر يطرح بإلحاح ضرورة التكوين الجيد للمربيات برياض الأطفال من أجل أن يتمكن من معرفة خصوصيات الأطفال في هذه المرحلة وكيف ينبغي التعامل معهم.
يبقى أن نتساءل هل فعلا هناك تعاون وثيق بين أسر الأطفال والمربيات والمربين برياض الأطفال في واقعنا الاجتماعي؟ وهل كل المربيات مؤهلات بيداغوجيا وتربويا لممارسة هذه المهنة البالغة الصعوبة؟ وهل تتوفر في رياض الأطفال كل التجهيزات التربوية والمادية الضرورية لهذه المهمة التربوية "الخطيرة"؟

ميلود بكريم





الجمعة، 15 فبراير 2008

التعاون بين المدرسة والمجتمع لترسيخ ثقافة المواطنة



اتجه المغرب نحو ترسيخ وإشاعة مبادئ ثقافة حقوق الإنسان، وبناء المجتمع الديمقراطي الحداثي، بإقدامه على المصادقة على معظم الاتفاقيات الدولية، التي لها صلة بحقوق الإنسان، والعمل على إرساء أجهزة وآليات ضمان احترام هذه الحقوق. غير أن تعميم التربية على حقوق الإنسان، الذي من شأنه أن يحقق ويفعل المواطنة على كل المستويات، ولدى كل الشرائح والفئات الاجتماعية، وخاصة لدى الأجيال الجديدة من المواطنين، يحتاج إلى مزيد من تعاون وتضافر جهود المؤسسات المعنية في هذا المجال : الأسرة، المدرسة الإعلام مؤسسات المجتمع المدني...
واعتبارا لكون المدرسة فضاء لحياة اجتماعية ، تتشكل ضمنها مجموعة من الأنشطة المعرفية والقيمية والمهارية، والمشاركة الديمقراطية، التي تستهدف تكوين شخصية التلميذ، وتعزيز إيمانه بإمكاناته الذاتية واستقلاليته، وتدعيم مبدأ احترام الآخر،، وتطوير معنى المسؤولية الاجتماعية، في سياق من التعاون والتآزر والتضامن، الذي من شأنه أن يثبت قيم المواطنة ويرسخها، فهي ، أي المدرسة ، بهذه المواصفات، أنسب فضاء لاكتساب وترسيخ مبادئ حقوق الإنسان وقيم المواطنة.
وقد أدركت جمعيات المجتمع المدني، التي تنشط في مجال التربية على حقوق الإنسان، وترسيخ ثقافة المواطنة، ما يتيحه فضاء الحياة المدرسية من إمكانيات الاقتراب من التلميذ واستثمار قدراته ومؤهلاته، وتمكينه من فهم محيطه، وبالتالي ترسيخ القيم الديمقراطية المبنية
على حرية التفكير والرأي والتعبير.
وشعورا من هذه الجمعيات بالتقاء أهدافها وتقاربها مع أهداف المؤسسة التعليمية، في مجال ترسيخ ثقافة المواطنة لدى الأجيال الجديدة ، فقد سعت إلى الانفتاح على المؤسسة التعليمية، وعقد شراكات تربوية للتعاون في هذا المجال مادام الهدف واحدا، هو التربية على حقوق الإنسان وترسيخ السلوك المدني.
ومن بين الجمعيات الرائدة في هذا المجال، والتي تستحق التنويه على أنشطتها التربوية داخل فضاء المؤسسات التعليمية، المركز المغربي للتربية المدنية الذي يرأسه الأستاذ العربي عماد رئيس الشبكة العربيةللتربية المدنيةالتي تضم أزيد من عشر دول عربية من بينها المغرب.
يرتبط المركز المغربي للتربية المدنية بالأكاديميات والنيابات بمجموعة من اتفاقيات الشراكةوالتعاون، تمكنه من تنظيم أنشطة للتدريب والتكوين لفائدة الأساتذة بالتعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي التأهيلي، كما يشتغل في إطار ورشات لتمكين المتعلمين من اكتسابمهارات أساسية لها صلة بالمواطنة والسلوك المدني، وفق بيداغوجية تفاعلية تجعل المتعلم ينمي رصيده الثقافي في مجال حقوق الإنسان والتربية على المواطنة، من خلال تحفيزه لإبراز مهاراته وقدراته في هذا المجال ، وذلك بتنظيم مسابقات ثقافية، إبداعية تدفع المشاركين من المتعلمين إلى التواصل بشكل جيد مع هذه الأنشطة التي تصب في النهاية في ترسيخ السلوك المدني لدى الأجيال الجديدة بجعلهم يتشبعون بمبادئ المواطنة وحقوق الإنسان بصفة عامة.
فما أحوج مؤسساتنا التعليمية إلى تكثيف مثل هذه الأشكال من العاون والانفتاح على مثل هذه المراكزوالجمعيات لاستفادة ناشئتنا من أنشطتها التربوية التي تستهدف تنمكية الحس الوطني لديهم، وترسيخ ثقافة الحوار والتسامح والتعايش وقبول الاختلاف، خصوصا في ظرفية متميزة، نؤسس فيها صرح المجتمع الديمقراطي الحداثي المتشبع بحقوق الإنسان في أبعادها الكونية.
ميلود بكريم
مفتش تربوي سابق مهتم بالمجالات التربوية

الخميس، 14 فبراير 2008


بعض أسس ومرتكزات المدرسة المواطنة

في اعتقادي أن تناول موضوع تجديد المدرسة المغربية يستدعي بالضرورة الانطلاق من مجموعة من الاشكاليات ، باعتبارها مداخيل أساسية تؤطر هذا الموضوع ومن بينها:
1- ماذا نقصد بالمدرسة المغربية الجديدة، وما المبادئ والأسس والمرتكزات التي تقوم عليها؟
2- ما السياق الوطني والدولي الذي أفرز الاتجاه نحو التفكير في بناء أسس المدرسة المغربية الجديدة من خلال مقتضيات الميثاق الوطني للتربية والتكوين؟
2- ما الأعطاب والإكراهات التي تواجه عملية التأسيس للمدرسة المغربية الجديدة؟
3- إلى أي حد يمكن التوافق والتواصل بين المدرسة المغربية الجديدة ومحيطها الوطني والدولي ومواكبة التحولات المتسارعة في مختلف الحقول الاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية؟ وكيف يمكن التأسيس لمدرسة مغربية قادرة على الإسهام في التنمية الشاملة؟
أعتقد أن محاولفة مقاربة هذه التساؤلات المركزية وما تنطوي عليه من تساؤلات أخرى فرعية سيمكننا من تلمس ملامح التأسيس للمدرسة المغربية الجديدة والإكراهات التي تواجهها على أرض الواقع.
فمن خلال تأمل وقراءة بعض المبادئ الأساسية والغايات الكبرى، الواردة في الميثاق الوطني للتربية والتكوين(ص 11) نستطيع تلمس بعض أسس المدرسة المغربية الجديدة كما يتصورها الميثاق الذي توافقت حوله كل مكونات المجتمع المغربي، ، كما أن الخطاب التربوي الجديد يحاول تجاوز بعض العناصر التي شكلت مظاهر أزمة المدرسة المغربية ، والتي كانت تقوم فيه الممارسة الفعلية على تلقين المعارف والمحتويات، حيث يسود فيها تعليم متمركز حول المحتوى، يحضر فيها التعليم الذي يعتبر ضمنه المدرس مالكا للمعرفة ومصدرا لها ، ويغيب فيها مفهوم التعلم، حيث يكتفي المتعلم بهضم المعرفة المقدمة له ، واجترارها ، واستدعائها حين يطلب منه ذلك، مما يساهم في تكوين شخصيات منقادة، سلبية وغير قادرة على المبادرة واتخاذ القرار والتفاعل مع المحيط، وحل المشاكل.
ويواكب هذا النموذج من التعليم التقليدي جمود في الحياة المدرسية، واتسام العلاقات داخلها بالقهر والتسلط، وعدم إتاحة الفرصة للمتعلمين للتعبير عن آرائهم ، وإبراز قدراتهم ومواهبهم ، مما يخلق لديهم نوعا من النفور وصعوبة الاندماج في الحياة المدرسية.
ولتجاوز هذا الوضع، تم اعتماد مقاربة جديدة، في إطار إصلاح نظام التربية والتكوين، وتقوم مرتكزاتها على " إعادة تجديد مهام المدرسة ودور ومكانة المتعلم ووظيفة المواد" حيث استحضر الإصلاح في عمقه" الحاجيات الفردية والجماعية لجيل جديد من المغاربة والمغربيات .." وهذه الحاجيات لا يمكن تحقيقها إلا في إطار " مدرسة مفعمة بالحياة تتبنى نهجا تربويا نشيطا" يجعل المتعلم في قلب العملية التعليمية ، ويعتبره محورها الأساسي، متعلم ممتلك لمهارات وقدرات تمكنه من بناء المعرفة بدلا من استهلاكها جاهزة، في إطار مبدإ التعلم الذاتي ، الذي يستلزم امتلاك آليات وأدوات البحث عن المعرفة ، والقدرة على المشاركة في دينامية الجماعة، والتشبع بمبدإ الحوار الديمقراطي.
وقد حاولت المناهج الجديدة، من خلال مضامين الكتب المدرسية تبني هذا النهج بالاشتغال على تنمية الكفايات المختلفة، والتركيز على التعلم الذاتي والانطلاق من المداخيل الإشكالية( حسب المنطق الداخلي للمادة الدراسية) وذلك من أجل اكتساب المعارف والمنهجيات، ونهج الطريقة البنائية التي تعتبر أن المعرفة يتم بناؤها بالتدريج من طرف المتعلم مع استحضار البيداغوجيا الفارقية، التي تعتبر أن قدرات التلاميذ واستعداداتهم مختلفة ومتنوعة مما يستدعي تنويع الأنشطة الاستراتيجيات البيداغوجية، وقد أكدت ذلك نظرية الذكاءات المتعددة منذ أواسط التسعينات.
يتضح إذن، من هذا التصور الطموح لنموذج المدرسة المغربية الجديدة مدى الحاجة إلى إعادة النظر في العديد من الجوانب والمكونات والممارسات المرتبطة بالعملية الديداكتيكية وسياقها العام. فالمدرسة المفعمة بالحياة، ذات النهج التربوي النشيط، لا تتحقق إلا ضمن شروط تربوية واجتماعية واقتصادية مازالت تعتبر بمثابة رهانات لم يتم بلوغها بعد في واقعنا المغربي الراهن.
ميلود بكريم
مفتش تربوي سابقا، مهتم بالبحث التربوي والصحافة ومجالات حقوق الإنسان.