مجلة تربوية إلكترونية للنقاش والحوار في مواضيع تربوية اجتماعثية، ثقافية، صحفية

الخميس، 14 فبراير 2008

بعض أسس ومرتكزات المدرسة المواطنة

في اعتقادي أن تناول موضوع تجديد المدرسة المغربية يستدعي بالضرورة الانطلاق من مجموعة من الاشكاليات ، باعتبارها مداخيل أساسية تؤطر هذا الموضوع ومن بينها:
1- ماذا نقصد بالمدرسة المغربية الجديدة، وما المبادئ والأسس والمرتكزات التي تقوم عليها؟
2- ما السياق الوطني والدولي الذي أفرز الاتجاه نحو التفكير في بناء أسس المدرسة المغربية الجديدة من خلال مقتضيات الميثاق الوطني للتربية والتكوين؟
2- ما الأعطاب والإكراهات التي تواجه عملية التأسيس للمدرسة المغربية الجديدة؟
3- إلى أي حد يمكن التوافق والتواصل بين المدرسة المغربية الجديدة ومحيطها الوطني والدولي ومواكبة التحولات المتسارعة في مختلف الحقول الاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية؟ وكيف يمكن التأسيس لمدرسة مغربية قادرة على الإسهام في التنمية الشاملة؟
أعتقد أن محاولفة مقاربة هذه التساؤلات المركزية وما تنطوي عليه من تساؤلات أخرى فرعية سيمكننا من تلمس ملامح التأسيس للمدرسة المغربية الجديدة والإكراهات التي تواجهها على أرض الواقع.
فمن خلال تأمل وقراءة بعض المبادئ الأساسية والغايات الكبرى، الواردة في الميثاق الوطني للتربية والتكوين(ص 11) نستطيع تلمس بعض أسس المدرسة المغربية الجديدة كما يتصورها الميثاق الذي توافقت حوله كل مكونات المجتمع المغربي، ، كما أن الخطاب التربوي الجديد يحاول تجاوز بعض العناصر التي شكلت مظاهر أزمة المدرسة المغربية ، والتي كانت تقوم فيه الممارسة الفعلية على تلقين المعارف والمحتويات، حيث يسود فيها تعليم متمركز حول المحتوى، يحضر فيها التعليم الذي يعتبر ضمنه المدرس مالكا للمعرفة ومصدرا لها ، ويغيب فيها مفهوم التعلم، حيث يكتفي المتعلم بهضم المعرفة المقدمة له ، واجترارها ، واستدعائها حين يطلب منه ذلك، مما يساهم في تكوين شخصيات منقادة، سلبية وغير قادرة على المبادرة واتخاذ القرار والتفاعل مع المحيط، وحل المشاكل.
ويواكب هذا النموذج من التعليم التقليدي جمود في الحياة المدرسية، واتسام العلاقات داخلها بالقهر والتسلط، وعدم إتاحة الفرصة للمتعلمين للتعبير عن آرائهم ، وإبراز قدراتهم ومواهبهم ، مما يخلق لديهم نوعا من النفور وصعوبة الاندماج في الحياة المدرسية.
ولتجاوز هذا الوضع، تم اعتماد مقاربة جديدة، في إطار إصلاح نظام التربية والتكوين، وتقوم مرتكزاتها على " إعادة تجديد مهام المدرسة ودور ومكانة المتعلم ووظيفة المواد" حيث استحضر الإصلاح في عمقه" الحاجيات الفردية والجماعية لجيل جديد من المغاربة والمغربيات .." وهذه الحاجيات لا يمكن تحقيقها إلا في إطار " مدرسة مفعمة بالحياة تتبنى نهجا تربويا نشيطا" يجعل المتعلم في قلب العملية التعليمية ، ويعتبره محورها الأساسي، متعلم ممتلك لمهارات وقدرات تمكنه من بناء المعرفة بدلا من استهلاكها جاهزة، في إطار مبدإ التعلم الذاتي ، الذي يستلزم امتلاك آليات وأدوات البحث عن المعرفة ، والقدرة على المشاركة في دينامية الجماعة، والتشبع بمبدإ الحوار الديمقراطي.
وقد حاولت المناهج الجديدة، من خلال مضامين الكتب المدرسية تبني هذا النهج بالاشتغال على تنمية الكفايات المختلفة، والتركيز على التعلم الذاتي والانطلاق من المداخيل الإشكالية( حسب المنطق الداخلي للمادة الدراسية) وذلك من أجل اكتساب المعارف والمنهجيات، ونهج الطريقة البنائية التي تعتبر أن المعرفة يتم بناؤها بالتدريج من طرف المتعلم مع استحضار البيداغوجيا الفارقية، التي تعتبر أن قدرات التلاميذ واستعداداتهم مختلفة ومتنوعة مما يستدعي تنويع الأنشطة الاستراتيجيات البيداغوجية، وقد أكدت ذلك نظرية الذكاءات المتعددة منذ أواسط التسعينات.
يتضح إذن، من هذا التصور الطموح لنموذج المدرسة المغربية الجديدة مدى الحاجة إلى إعادة النظر في العديد من الجوانب والمكونات والممارسات المرتبطة بالعملية الديداكتيكية وسياقها العام. فالمدرسة المفعمة بالحياة، ذات النهج التربوي النشيط، لا تتحقق إلا ضمن شروط تربوية واجتماعية واقتصادية مازالت تعتبر بمثابة رهانات لم يتم بلوغها بعد في واقعنا المغربي الراهن.
ميلود بكريم
مفتش تربوي سابقا، مهتم بالبحث التربوي والصحافة ومجالات حقوق الإنسان.

ليست هناك تعليقات: