مجلة تربوية إلكترونية للنقاش والحوار في مواضيع تربوية اجتماعثية، ثقافية، صحفية

الأحد، 27 أبريل 2008

لماذا لم تستطع المدرسة المغربية أن تكون فاعلة ومؤثرة في محيطها؟

تميز الخطاب التربوي بالمغرب، منذ صدور الميثلق الوطني للتربية والتكوين، بل وحتى قبل ذلك، بإنتاج العديد من الأفكار والآراء والتصورات حول طبيعة الإصلاح ، الذي ينبغي أن يمس، أو مس بالفعل، المنظومة التربوية المغربية، بمختلف مكوناتها وأنساقها، وحاولت معظم الكتابات الصادرة في هذا الاتجاه، أن تنتج خطابات تساهم بها في أجرأة وتفعيل مقتضيات الميثاق، بعد أن تمت عملية التوافق حوله من طرف كل مكونات الشعب المغربي. ।
تزامنت هذ الخطابات التربوية مع انطلاق عملية التطبيثذق والأجرأة لمقتضيات الميثاق الوطني للتربية والتكوين، من خلال فتح أوراش همت الجوانب البيداغوجية والتربوية والقيمي، حيث تمت إعادة النظر في البرامج والمناهج والكتب المدرسية المرتبطة بها، كما تمت هيكلة بنيات الأكاديميات والنيابات، وانطلقت إجراءات بالمؤسسات التعليمية تروم بعث الروح في الحياة المدرسية، بتفعيل مجالس المؤسساتوإعطائها توجها ونفسا جديدين يروم النهوض بجودة التعليم والدفع بالمؤسسة التعليمية لالاانفتاح على محيطها، على الأقل على مستوى الخطاب।
وإذا كانت كل هذه الإجراءات تستهدف القطيعة مع مدرسة تقليدية في بنياتها وهياكلها ومناهجها، مدرسة قاصرة عن تحقيق تطلعات كل مكونات المجتمع المغربي، إلى تنمية اقتصادية واجتماعية فاعلة ، ترضي طموح المواطنين، وتضمن حقوقهم في العيش الكريم، في إطار مجتمع ديمقراطي حداثي متعدد ومتضامن، فإن بناء أسس المدرسة الحديثة ، الفاعلة والمؤثرة في محيطها، والمستجيبة لتطلعات المجتمع ، مازال في اعتقادي، مطلبا يحتاج إلى المزيد من الجهود والتضحيات، على مستويات وجبهات متعددة لتدليل العديد من الصعوبات والمعوقات والإكراهات التي تواجه تحقيق المشروع التربوي الوطني الحداثي، المواكب للتحولات المتسارعة في مختلف مناحي الحياة وطنيا ودوليا ، والمنسجم مع الأنظمة التربوية المتقدمة، وما يؤكد هذا الطرح هو ما تم الإعلان عنه مؤخرا من كون الميثاق الوطني للتربية والتكوين لم يحقق أهدافه ، وبالتالي فالمدرسة المغربية ما زالت بعيدة عن التأثير في محيطها وتحقيق الغايات الكبرى للنظام التربوي المغربي ، وهو الأمر الذي استوجب وضع المخطط الاستعجالي لإنقاذ الميثاق الوطني وبالتالي إنقاذ المدرسة المغرب।ية
فما الأسس والبنيات التي تتوفر عليها المدرسة المغربية حاليا، وإلى أي مدى يؤهلها واقعها الراهن لتتحول إلى مدرسة حديثة ، مؤثرة وفاعلة في محيطها؟ وما الموقومات التي يمكن للواقع الاجتماعي والاقتصادي أن يسعف بها من أجل مدرسة مغربية وطنية جديدة فاعلة ومؤثرة في محيطها؟
لاشك ان الإجابة على هذين السؤالين بحاجة إلى دراسة ميدانية تقوم على تشريح واقع النظام التربوي والاجتماعي والاقتصادي كما وكيفا، مما سيجعل الأفكار التي سأوردها في هذا المقا ل تبقى مجرد وصف للظاهرة من خلال احتكاكي الطويل بالفضاء المدرسي وبمكونات محيطها بحكم طبيعة اشتغالي في ميدان التربية لمدة تزيد عن 37سنة।
أ- طموح كبير على مستوى الخطاب يفتقر إلى بنية تستجيب لشروط وضوابط تربوية واجتماعية واقتصادية متسقة ومتفاعلة:
بالطبع لايمكن لأحد أن ينكر ما بذلته الدولة من جهود ، ولا ما رصدته من إمكانيات لتحديث هياكل النظام التربوي، غير أن النتائج المسجلة حتى الآن ، منخلال مقارنة المدخلات بالمخرجات، وملاحظة مدى التأثير الذي تحدثه المدرسة في محيطها مازال دون مستوى التطلعات।
كثيرا ما طرح المهتمون بالإصلاح التربوي تساؤلات تصب كلها في اتجاه البحث عن سبل إرساء مدرسة مغربية حديثة وفاعلة في محيطها، يكون نظامها التعليمي التعلمي متلائما ومنسجما مع حاجيات المجتمع والمحيط الاقتصادي، كما يطرح البعض أسئلة أخرى معاكسة لهذه المعادلة، حيث يتساءل عن الحظوظ وحجم الإمكانيات التي توفرها المقاولة للإسهام في إصلاح هياكل وبنيات المدرسة المغربية وتطوير مناهجها والارتقاء بمستوى تكوينها من خلال عقد شراكات مفيدة بين المدرسة تضمن تكوين واستيعاب منتوجها من الطاقات الشابة।
ويجسد الميثاق الوطني للتربية والتكوين هذا الطموح الكبيرلالاارتقاء بمستوى التكوين في المدرسة المغربية وجعلها فاعلة في محيطها। ففي معرض حديثه عن المبادئ الأساسية، في الشطر الخاص بالغايات الكبرى للنظام التربوي المغربي نقف على ما يلي" ... تسعى المدرسة المغربية الوطنية الجديدة إلى أن تكون مفتوحة على محيطها بفضل نهج تربوي قوامه استحضار المجتمع في قلب المدرسة ، والخروج إليه منها بكل ما يعود بالنفع على الوطن ، مما يتطلب نسج علاقات جديدة بين المدرسة وفضائها البيئي والمجتمعي والثقافي والاقتصادي"( المادة9 ص 11من الميثاق)

ب- هل بالفعل تمتلك المدرسة المغربية ، حتى الآن، مقومات الانفتاح المطلوب على محيطها يمكنها من استحضار المجتمع في قلب المدرسة؟
بالرجوع إلى مضامين المناهج والبرامج الدراسية الجديدة، والكتب المدرسية التي تترجمها، نقف على أنشطة تستحضر ضرورة تفاعل المتعلم مع محيطه ومواكبة مختلف التحولات التي يشهدها، لكن على مستوى الممارسة الميدانية، لا نكاد نجد إلا بالكاد، ما يترجم هذا التوجه الحداثي في المجال التربوي إلى واقع ملموس، ذلك أن واقعنا التربوي ما يزال مكبلا بالعديد من المعوقات والإرغامات التي تحد من فعاليته، ويمكن أن نلخصها فيما يلي:
1- إيقاع الزمن المدرسي وكيفية تنظيم استعماله واستثماره في حاجة إلى تغيير وتدبير جديد:
فكيفية تدبير الزمن الدرسي واستعماله بكثافة لا يتيح مجالا زمنيا كافيا لتنظيم خرجات وزيارات ميدانية تطبيقية في مختلف مؤسسات المحيط الاقتصادي والاجتماعي والإداري والثقافي من أجل الاطلاع على أنشطة ومكونات هذه المؤسسات واكتساب مهارات تطبيقية ميدانية للوحدات المدروسة في الفضاء المدرسي، لذلك ينبغي التفكير في تقليص حصص البرنامج الدراسي ووضع نظام يمكن المتعلمين من ألانفتاح على محيطهم والتمرس بواقعه ومشاكله واكتساب الخبرة منه
2- ظاهرة الاكتظاظ تحد من المردودية التعليمية:
إن أغلب المؤسسات التعليمية المغربية لا تزال تعاني من ظاهرة الاكتظاظ والتي كانت من إفرازات التقويم الهيكلي الذي نهجه المغرب في بداية الثمانينات ، حيث شهدت ميزانية التعليم تقلصا كبيرا جمد عملية بناء مؤسسات جديدة إلا في حالات نادرة، وقد كان ، وما يزال، لهذا الاكتظاظ تأثير كبير على مردودية العملية التعليمية وبالتالي لا يمكن تحقيق مبدأ انفتاح المؤسسات التعليمية على محيطها في ظل هذا الإكراه.
- ضعف جسور التواصل بين المدرسة ومحيطها لا يجعلها مؤثرة فيه ولا متأثرة به:
إن الفاعلين في المحيط الاقتصادي لم يقوموا ، حتى الآن، بإبداء ما يكفي من الرغبة لاستقبال الزوار من التلاميذ والطلبة لعدم حصول القناعة الكافية لدى أغلب هؤلاء الفاعلين بأهمية عقد شراكات تربوية مع المؤسسات التعليمية يستفيد منها الطرفان ، ويكفي للدلالة على ما نقول، أن نذكر بالصعوبات الكبيرة التي يجدها المتخرجون لولج سوق الشغل، بل إن الباحثين من الطلبة على التدريب في المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية لا تتاح لهم هذه الفرصة إلا بصعوبة كبيرة ، أو بعد تدخل جهات نافذة، أو وساطات أخرى। وحتى بالنسبة للمناهج والبرامج الجديدة لم تجح في توفير الحاجيات من الأطر النوعية التي يتطلبه السوق الحالي ।
4ابتعاد جل جمعيات وفيدراليات جمعيات الآباء عن تفعيل أدوارها التربوية:
كان من المفروض أن تقوم فيدراليات وجمعيات الآباء بالمساهمة في توفير مختلف شروط نجاح العملية التربوية في المؤسسات التعليمية ومن بين هذه الشروط إسهام هذه الجمعيات في تسهيل عقد شراكات تربوية مع مع مؤسسات من المحيط لتسهيل مامورية المدرسين والإداريين والتلاميذ، لكن جل هذه الجمعيات لا تقوم بأدوارها التربوية بل لا يعي أغلبها أهمية هذه الأدوار مما يجعلها تنزلق عن أهدافها الحقيقية للقيام بأنشطة ترقيعية لا تسمن ولا تغني من جوع، كبعض الترميمات البسيطة أو بعض الأنشطة الترفيهية أو ما شابه ذلك ، مع أن الإصلاح التربوي الجديد يفرد لها مكانة مهمة كمتدخل فاعل حقيقي للإسهام في صنع القرار التربوي الذي يفعل أدوار المؤسسة ويحقق أهدافها।
-5مفارقة كبيرة بين المدرسة ومحيطها:
كيف يعقل أن نطالب المدرسة بالانفتاح على محيطها في ظل مفارقة صارخة، يجسدها البون الشاسع بين التحولات المتسارعة في المجال التكنولوجيعامة ، وفي مجال تكنولوجيا الإعلام والتواصل خاصة، والتي تتطور كل يوم بشكل مدهش ويلامسها المتعلم ويعيشها في بيئته، وبين ما يلاحظه في مؤسسته من تخلف عن مواكبة هذه التحولات؟
إن معظم المؤسسات التعليمية المغربية ما زالت توظفوسائل وأدوات ودعامات ديداكتيكية عتيقة كالسبورة والطباشير وبعض الأدوات التي لا ترقى إلى طموح المتعلم الحالي ولا تستفز رغبته للانخراط في حوار تربوي هادف لأن ذلك يتطلب حضور وتوظيف تكنولوجيا تعليمية حديثة ومتطورة ونهج طرق تدريس نشيطة تتمركز حول المتعلم وتخاطب ذكاءه وتلبي ميوله وحاجياته।
6- ضرورة دمقرطة العلاقات بين أطراف المنظومة التربوية في الفضاء المدرسي:
على الرغم من الخطاب الحقوقي - التربوي الذي يقوم بالدعوة إلى جعل الفضاء المدرسي فضاء لتنمية وترسيخ السلوك المدني وبالتالي جعل المدرسة قاطرة لجر المجتمع نحو القطيعة مع السلوكات اللا مدنية ، فإننا نجد أن الفضاء المدرسي، في معظم المؤسسات التعليمية لا يزال مسرحا لعلاقات لا تستجيب لضرورة ترسيخ السلوك المدني، فمثلا أغلب الممارسات الفصلية يسودها سلوك غير ديمقراطي يكون فيه الأستاذ مستبدا بالقرار ولا يتيح لتلاميذه فرصة اكتساب مهارات التعلم الذاتي من خلال حوار أفقي ينظمه التلاميذ فيما بينهم، كما لا يزال التوتر سيد الموقف في العلاقات بين أطراف المنظومة التربوية في الفضاء المدرسي، حيث تسود ظواهر منافية للسلوك المدني كالعنف والغش وتخريب ممتلكات المؤسسة...
وحتى لا نكون عدميين، نقول إن بعض المؤسسات تم تزويدها ببعض الأجهزة والأدوات التكنولوجية الحديثة كالحواسب وأجهزة التلفزة وأجهزة عكس الصور( المسلاط العاكس) كما تم إحدات أندية للإنترنت بالمؤسسات، غير أن استثمار كل ذلك لصالح التلاميذ، وبالمواصفات التربوية المطلوبة لا يلبي طموح الخطاب التربوي.
وبعد، إذا كانت هذه بعض الإشارات المقتضبة عن واقع المدرسة المغربية ، والذي لا يرقى إلى ترجمة الخطاب التربوي الوطني إلى الإصلاح الحقيقي المنشود فما هي بعض الأفكار التي يمكن اقتراحها والإسهام بها في تصور مشروع المدرسة المغربية الجديدة الفاعلة والمؤثرة في محيطها بشكل إيجابي؟
أتمنى من القراء الكرام أن يساهموا في إغناء هذا الموضوع بتعليقاتهم جلبا للمنفعة العامة، ولكل من ساهم في هذا الإغناء جزيل الشكر والامتنان.
ميلود بكريم: مفتش تربوي سابقا وباحث في الشؤون التربوية

ليست هناك تعليقات: